Thursday, June 23, 2011

يوميات مغتربة حديثة 3



فأروني ماذا خلق الذين من دونه






حينما أتيت الى السويد و أخذت الطائرة فى الهبوط .. ظننت كما ظن زوجي في زيارته الأولى ان الطائرة ستهبط بنا وسط الغابة لكثافة الأشجار المحيطة بأرض المطار .. و حينما سألتنى أمى فى أول مكالمة بيننا بعد سفري " و ايه أخبار السويد ؟ " .. أجبتها بأنها عبارة عن غابة مترامية الأطراف نثروا بداخلها بضع البيوت الصغيرة ..

أخذنا فى التجوال في الممرات المتشعبة بين الأشجار الضاربة فى الطول و الكثافة .. الألوان فى غاية الروعة .. الأخضر هنا لون غني كل الغنى .. تشعر بأنه ينبض بالحياة .. لون يبث فيك البهجة و الراحة النفسية .. لا عجب حقا أن الله قد جعل لباس أهل الجنة من الأخضر .. و لا عجب كذلك أن من يعيشون هنا من المواطنين يتمتعون بهدوء سلوكي لم أره من قبل و نفتقد مثيله فى أوطاننا ..

المنظر فى غاية الروعة .. تناسق بين الأشجار و الحشائش و الزهور فى التوزيع ينطق بقدرة الله البديع .. فى كل زاوية تستوقفنا زهرة مختلفة .. لنتأمل هذا الاعجاز .. المنازل الخاصة موزعة بداخل الغابة .. كلما مشينا عدة أمتار نجد منزلا يفوق سابقه جمالا فى الموقع و المعمار .. فهذا على أطراف الغابة .. و هذا على مرتفع ضخرى بديع .. و ذاك على طرف النهر ..

" ياااااه .. الناس الى هنا دى ازاى تبقى عايشة وسط الجمال ده كله و ما تبقاش مؤمنة بالله ؟؟ " .. علامة استفهام كبيرة تتكرر أمامى كلما رأيت منزلا جديدا .. و أتعجب كل العجب .. كيف أن هؤلاء لم يتوقفو لحظة ليتأملوا ؟؟!! .. و صدقا التأمل يكفى للهداية هنا .. هل يمكن للانسان أن يصبح ذليلا لمتاهات الدنيا حتى تلهيه عن أن يوقف دوامتها لحظة ليعيد حساباته من جديد !! ...

ان ما يثير العجب حقا هو أن المواطنين هنا من حيث المعتقد قسمان :

1. القسم الأول هو قسم على المذهب اللوثري البروتوستانتي و هؤلاء رسميا يؤمنون بأن المسيح هو الله و يؤمنون بالثالوث و واقعة الصلب و الخطيئة الأولى .. و لكنهم على المستوى الغير رسمي يعتبرونه سخفا .. فكما يقولون أن فكرة " ثلاثة فى واحد و واحد فى ثلاثة " هي درب من الخرافة لا تنطلى الا على الاطفال !! .. و يعتقدون بأن هناك اله خلق كل ما يجدونه حولهم و لكن من هو هذا الاله ؟ لا تجد لديهم اجابة .. فهم يختلفون فيما بينهم في ماهية المسيح عليه السلام !!

2. أما القسم الثاني فهم أولئك المسمون بـ " شهود يهوه " و هذه الفئة تختلف كليا عن الفئة السابقة فالمنتمون لهذه الفئة لا يتبعون المعتقدات المسيحية الأصلية فيما يتعلق بكل ما ذكر سابقا . فهم يعتقدون بوحدانية الخالق و أن الخالق هو " الله " و أن المسيح هو رئيس الملائكة . ويرفضون الثالوث " الأقدس "، ويؤمنون أن المسيح كائن مخلوق وأن الروح القدس هو مجرد تعبير عن قوة الله . ويقولون إن المسيح لم يمت على صليب كما تعتقد طوائف العالم المسيحي بل على عمود أو خشبة ، لذلك فهم لا يضعون الصليب على الصدور وفي البيوت أو حتى على الكنائس ، كما أنهم لا يستعملون الصور والتماثيل في عبادتهم ، كما يدعون أن الكنيسة قامت علي مر العصور بتحريف الكتاب المقدس .

هذان القسمان بهذا الشكل الاعتقادي لكليهما يثيران بداخلى كل العجب .. فكيف لا يعملوا عقلوهم قليلا فيما حولهم ليصلوا الى حل لكل المعضلات التى يجدونها فى معتقدهم و يؤمنوا بالقدرة الالهية و الوحدانية و يستشعروا عظمة الخالق و يستخلصوا أسس الايمان الحقة اذا فقط ما اتبعوا فطرتهم !! .. أم أن الفطرة ها هنا منتكسة الى درجة لا تسمح لهم حتى بالتفكر قليلا و اعمال العقل فى مجموعة من الاستنتاجات الصحيحة التى حتما ستصل بهم الى الهداية كما وصلت بسيدنا ابراهيم عليه السلام !! بل لعل الأسباب ليست هذا و لا ذاك .. و أن كل ما في الأمر تلخصه الآية الكريمة : " يا معشر الجن والانس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم اياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على انفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على انفسهم انهم كانوا كافرين " ..

هي كذا اذا : " و غرتهم الحياة الدنيا " .. " و غرتهم الحياة الدنيا " .. " و غرتهم الحياة الدنيا " .. الناس هنا يعيشون مرغّدين للغاية .. فما الذي سيجعلهم يتكلفون ثمن تغيير مسار حياتهم و تحويل دينهم حتى و ان علمو أنهم على باطل ؟ .. انهم يعيشون حالة من الاكتفاء و الثراء .. فلا يوجد شيء لا يستطيعون الحصول عليه .. و بالتالى حينما يكون هناك شخص مأكله حسن .. و ملبسه حسن .. و مشربه حسن .. و مسكنه حسن .. و لديه من وسائل الترفيه و الرفاهية ما ليس عند غيره .. ان افتقد الدافع .. فليس هناك ما سيدعوه لمجرد التفكير في معتقده أو أى شيء فى حياته حوّله رغد العيش الى عامل محايد تماما !!

" الدعوة هنا سهلة جدا و صعبة جدا فى نفس الوقت .. سهلة علشان المجال ممهد وفقا لمعتقدات الناس سواء اللوثريين أو شهود يهوه .. ممكن الرد على كل التخبطات الى عندهم .. و صعبة علشان مستوى المعيشة المرتفع .. الفكرة كلها فى أسلوب الدعوة .. مين الى يدعو .. و ازاى يدعو .. " هذا كان رأي زوجي الذى نبهني الى أمر كنت أغفله ، و هو أن لدينا المشكلة ذاتها الآن فى مصر .. " من يدعو " .. و " كيف يدعو " .. و أننا تنطبق علينا الآية السابقة مع اختلاف السياق " غرتهم الحياة الدنيا " .. و أننا فى ظل انغماسنا فى دوامة الحياة الفانية تقف حولنا الشواهد و الحجج تسجل كل لحظة نبتعد فيها عن مهمتنا الأساسية فى هذه الحياة .. تقف شاهدة علينا حتى تكمم أفواهنا يوم القيامة حين تقام علينا الحجة .. و ستقام علينا الحجة .. و علينا أن نستعد بحجج تضاهي شهادة كل ما حولنا علينا .. و أعود الى الربوع الخضراء من حولى فأتذكر الآية الكريمة : " هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين " .. ليست القدرة فقط هذه المرة التى تتلألأ أمامي .. و لكنه العدل أيضا .. نعم العدل .. العدل فى الحكم .. و العدل فى مسبباته .. و العدل فى الإمهال .. و العدل فى المنح .. و العدل فى الأخذ .. و العدل فى المحاسبة .. و العدل فى كل هذا النظام الكوني الذى تلهينا دوامات الدنيا الخبيثة عما أمرنا خالقه و خالقنا باتباعه !!

استكملت و زوجي المسير فى الطريق .. مارة بنا بضع السيارات الخاصه و المواصلات العامة التى لم أسمع لأبواقها صوتا منذ أن جئت الى هنا .. حيث أخبرني زوجي بأن سائقوا السيارات لا يستخدمونه الا للضرورة القصوى و التى غالبا ما تكون تنبيها عن خطر ما يغفله أحد المارة أو السائقين ..

مر علينا و نحن فى طريقنا عائدين الى المنزل بعد تلك الجولة " أتوبيس " كبير للمواصلات العامة فى المدينة يسير بسرعة متوسطة .. و حينما أصبح بمحاذاتنا فوجئنا بالسائق يلوح لنا بيديه بشدة .. ثم تخطانا بعدة أمتار .. ليتوقف فجأة و " يضرب كلكسين " .. و يرجع باتجاهنا قليلا ثم يتوقف مرة أخرى .. لنهرول اليه لنعرف ماذا يريد منا ..

يتبع ..

10 comments:

Unknown said...

أثناء إقامتي في هولندا ، كان حصل محاولتين للتشبير من شهود يهوه، الناس غاية في الاخلاص لدينهم في الحقيقة! كان بيجيلي في ظروف جوية سيئة جداً وعلى وجهه ابتسامة صافية نادراً مانجدها، وعلى الرغم انه مبيتكلمش غير هولندي حاول يوصلي فكرته :)

http://blog.amrsobhy.com/2010/03/blog-post_20.html

azza safwat said...

رائعة يا هبة كالعادة...و فعلا انا اعرف ان الناس دي بتحاول بشتى الطرق توصل دعوتها و لو من خلف باب شقتك ...يارب اهدى اهل السويد على ايدك يا هبة يارب..........

Anonymous said...

ده شهر عسل تاني ما شاء الله .. أكملي يا هبة بسرعة

mohmedabdelatty said...

مبروك الجواز والسفر

بس امتى حصل كل دا

دهاء سياسي said...

دكتور عمرو

أيوة أنا افتكرت التدوينة دي .. مستنياهم يعدو عليا علشان أسمع حيقولو ايه =)

دهاء سياسي said...

عزة

أولا .. نورتي المدونة كلهااااااااااااا

و اللهم آمين على الدعاء الجميل ده .. ربنا يكرمك يا رب =)

دهاء سياسي said...

محمد ممدوح

نسألكم الدعاء بالخير .. =)

دهاء سياسي said...

محمد عبد العاطي

الله يبارك فيك .. =)

محمد نبيل said...

أشعر وأنا أقرأ هذا الوصف الرائع بأنى أشاركما الرحلة بكل الشغف
مستشعراً ما تحويه من جماليات وأحاسيس , وأشاركك فى أن اسلوب الدعوة المناسب إلى الله هو أهم ما يجب السعى للوصول إليه بل والحرص على اسغلال أية فرصةٍ سانحةٍ لهداية ولو شخصٍ واحد ( فلأن يهدى بك الله رجلاً واحداً .. خيرٌ لك من الدنيا وما فيها ) أو كما قال (صلى الله عليه وسلم)
شكراً لك

دهاء سياسي said...

بل شكرا لحضرتك على ذكر الحديث .. جعلتنى أبتسم طويلا .. اشعر كثيرا ان الدعوة تحتاج الى ذكاء .. و ذهن حاضر و ثقافة واسعه و انفتاح على الاخر و التزام أدب الحوار .. و وعى بالدين و بالقضايا الخلافية .. و قبل كل ذلك نيه خالصة لله تعالى و توفيق منه

جزاكم الله خيرا على المرور =)