Tuesday, November 23, 2010

عن الثمن أتحدث








" اللهم اضرب الظالمين بالظالمين و أخرجنا من بينهم سالمين "

كثيرا ما تردد على مسامعي هذا الدعاء منذ نعومة أظافري .. خاصة فى أوقات الكروب .. و الذي ينطلق عادة من مآذن المساجد المحيطة في ختام خطبة الجمعة .. فلم أكن ألقي له بالا شأني فى ذلك شأن بقية الأطفال ممن في سنى " ولا فارقة معاهم خطيب المسجد بيقول ايه أساسا يعنى "

و مرت بي السنون الى أن وصلت لمرحلة أدركت فيها معنى الدعاء فكنت ببساطة كما هو حال الكثيرين أندفع بالتأمين عليه فور سماعه .. تشفيا في " البعدا الى ما يتسموش " و تلهفا على أن يمن الله علينا بحياة نقية بعض الشيء عما نعيش فيه ..

و منذ عدة سنوات ورد الدعاء علىّ " بالصدفة المحضة " أثناء مشاهدتي فيلم " واحد من الناس " و جاء الدعاء على لسان كريم عبد العزيز " محمود فى الفيلم " مخاطبا الصحفية " بسمة - و الى أنا مش فاكرة دلوقتى اسمها كان ايه - " " و قالها بالحرف الواحد : زمان يا ... كان أبويا بيدعى دعاء انا ما فهمتوش الا دلوقتى اللهم اضرب الظالمين بالظالمين و أخرجنا من بينهم سالمين .. قولى آمين "



أنا بقى - و أعوذ بالله من كلمة بقى - بقولكم من موقعى هذا " أوضتى يعنى " أوعوا تقولوا آمين


لو دققت النظر فى الدعاء بعض الشيء ستجده يحمل شحنة من السلبية و الخضوع
" ما يعلم بيها الا ربنا "

و لك أن تقول كل ما تريد -بقى- بداية من : فلسفات الركون و الخنوع و عدم تحمل المسئولية ، و مرورا بالايدين الى في الميه وفقا للمثل الشعبي المعروف ، و المشي جنب الحيط ، و يا حيطة داريني " و ده أهم فنكشن للحيطة على الاطلاق في قاموس المصريين ".. و وصولا الى البلادة و التناحة و تكبير الجي و ترييح الدي ..

شخصيا اعتبره دعاء " الجبناء "

تماما كما فعل بنو اسرائيل منذ آلاف السنين مع نبي الله موسى حينما قالوا له : " اذهب أنت و ربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون "


كانت تحكمهم الفلسفة ذاتها .. فلسفة " احنا بره الموضوع "


ذات مرة أرسلت لي هدى أغنية لاحدى المغنيات السوريات تدعى أميمة خليل و كانت الأغنية تحمل اسم " عصفور " .. لفت انتباهي من بين أبيات الأغنية الرائعة .. بيتا بالتحديد .. هو ذلك البيت الذى كان يقول :

" قبل ما يكسر الحبس .. اتكسر صوته و جناحاته "


و حينها بدأت محاولتى فى الاجابة على السؤال الأزلي الذى يسأله الجميع منذ عدة سنوات : لماذا لا يثور المصرييون ؟؟


تسمحلي أسألك سؤال ؟؟ ..


عمرك دخلت سوبر ماركت تشتري للحاجّة الطلبات و لما جيت عند الكاشير لقيت الراجل مبتسم ابتسامه عريضه و بيقولك : خليها علينا المرة دي يا باشا ؟؟

طيب عمرك ما ظبّت مع اصحابك و لميتو بعضكم و روحتو على دريم بارك و لما وصلتو للبوابة هناك لقيتوهم كاتبين بالبنط العريض النهارده " فري أوف تشارج " ؟؟


بلاش .. عمرك اشتركت فى عرض فودافون بتاع حكاوي فريندز و لقيت نفسك فعلا بتتكلم باقى اليوم من بعد أول 3 دقايق ببلاش ؟؟


ببساطة شديدة .. ان كل شيء يطلبه الانسان يقابله ثمن يتحتم عليه دفعه من أجل الحصول على ما يريد


حينما أتوقف لحظة للتأمل .. أجد أن فلسفة دفع الثمن هي فلسفة ديناميكية للغاية .. فلو أردنا تفكيك هذه الفلسفة الى مكوناتها الأساسية سنجدها تتمحور في :

1. وجود فاعل " الانسان "

2. وجود قابل " المطلب "

3. حدوث فعل " الدفع / التدافع - التصارع "

و بين هذه المكونات الثلاث تنساب مجموعة فرعية من المكونات المتفاعلة فى شبكة متماسكة للغاية كل نقطة فيها تعتبر مركز ثقل يغذي العملية بأكملها لا يمكن اغفاله

**

و اسمحولي بحبة كلكعة =)

**

لدينا " انسان " تتولد لديه " الرغبة " التى ستخلق " الدافع " لديه لمعرفة المزيد عن مطلبه ، و بتراكم هذه المعرفة سيتكون لدى الفرد نوع من " الوعي " بهذا المطلب ، و من ثم سيتكون لدينا " الايمان " بالمطلب المبني على تراكم المعرفة المكونة من خبرات نظرية و حياتيه ملموسة ، و هذا الايمان بدوره سيكون العامل الرئيس فى تكوين " الارادة " لدى الانسان للحصول على مطلبه ، و الارداة ستخلق " العزيمة " التي هي وقود " الهمة " و علو الهمة يقود الفرد الى " العزم " ، و حينما نصل الى العزم فلابد و أن يترجم في شكل " فعل " ملموس على أرض الواقع .. و حتى يتحول العزم الى فعل يجب توافر " الامكانات " من وقت و فكر و وسائل و جهد مبذول .



ان كل ما سبق اذا توفر سنجده يحدث حالة من الحراك المجتمعي التي تتبلور في صورة " التدافع " بين الأفراد المختلفين من أجل الحصول على " مطلبهم " .. هذا التدافع لابد و أن يقابله " تصارع بل و أحيانا محاربة " من بعض الفئات ولا سيما تلك المستفيدة من اعاقة الأفراد عن اوصول الى " مطلبهم " و بقاء الوضع على ما هو عليه .

و هنا تحديدا يظهر لنا أهم مفهوم على الاطلاق في هذه المعادلة ألا و هو مفهوم المواجهة.

***

انتهت الكلكعة خلاص =)

***


ان أى مجتمع يرغب فى " الاصلاح " عليه أن يدفع ثمن هذا الاصلاح .. دفع الثمن بما يتناسب و قيمة ما ينبغى اصلاحه

بمعنى : هل الاصلاح المرغوب هو اصلاح اقتصادي ؟ أم سياسي ؟ أم عسكري ؟ أم ادارى ؟ ام سلوكى ؟ أم قيمي ؟ أم ديني ؟ أم ثقافي ؟

أم اننا نواجه ذلك النوع من الاصلاح الكلى " بنفوّر المجتمع " " بنشيل القديم نرميه فى الزبالة و بنجيب واحد جديد بعلبته " ؟



حتى يحدث الاصلاح لابد و أن تسبقه عملية المواجهة


و يمكنك القول بأنه لن يحدث اصلاح حتى تحدث مواجهة


مواجهة حقيقة .. مواجهة من الداخل " و من الداخل أوي كمان " .. تبدأ بمواجهة الذات .. انك كفرد قادر على الوقوف أمام مرآة حقيقة واقعك .. " انك ترضى تبص لنفسك في المراية " .. أن تكون صادقا مع الله .. ان تكون أمينا مع نفسك ..
ان ترى العيوب بوضوح .. و انك بعدها لا تقبل بالخطأ و لا تسكت عليه " فالسكوت عن الخطأ قبول به ، و القبول به تصريح ضمني للمزيد " .. انك تحاول اصلاحه .. و هنا تأتى مرحلة دفع الثمن .

قراءة التاريخ فى غاية الأهمية هنا .. و قراءة سير الصحابة رضوان الله عليهم و تتبع مراحل المراجعات الذاتيه التى مروا بها حتى وصولهم للاسلام في غاية الأهمية اذا كنا نريد أن نرى أمثلة حقيقة على مواجهة الذات و تحمل المسئولية .. فلسفة الاختيار .. " فما الحياة الا قرار و ما القرار الا اختيار " .. ( أمال هما ليه في كتب العربي زمان كانو واجعين دماغنا ليل نهار بأبيات أبو القاسم الشابي الى بتقول :

اذا الشعب يوما أراد الحياة .. فلابد أن يستجيب القدر

ولابد لليل أن يجنلي .. ولابد للقيد أن ينكسر )


لذلك لا أعتقد أن المجتمع الذي يريد " ان ربنا يفرجها عليه و يخلص من البلاوى الى كابسه على نفسه " يستحق أن يحصل على هذا " الفَرَج " و دعاء ابنائه "
اللهم اضرب الظالمين بالظالمين و أخرجنا من بينهم سالمين " .. ( طيب بالعقل كده .. لو ده حصل فعلا و الظلمة كلهم خلَّصوا على بعض .. انت تاخدها مقشرة كده مقابل ايه يعنى ؟؟ ايه الى انت عملته علشان تستحق الحياة الكريمة بعد ما الظالمين يغوروا فى داهية ؟؟ )


الثمن المطلوب مقابل حرية الانسان ليس تجويعا ولا اذلالا ولا قهرا ولا يومين فى السجن ولا ضرب فى مظاهرة ولا حتى بلطجية الوطنى فى الانتخابات ..

ثمن حرية الشعوب دائما يكون مدفوعا من أرواح أبنائها .. و من دمائهم .. و التاريخ خير شاهد


فكما قال جلال عامر " الأمة التى تفضل التغيير فى السرير لن يغيروا لها إلا «البامبرز».. "



****

بقيت جزئية واحدة في هذة التدوينة


هي تلك المتعلقة باستراتيجيات التغيير


من فوق ولا من تحت ؟؟؟


سؤال موجَّه لفئة " الشباب " من الشعب عموما و للاخوان " باعتبارهم المعارضة الوحيدة " المحترمة " على الساحة السياسية المصرية حتى الآن من وجهة نظري " خصوصا :

هو لما واحد يقعد أكتر من 20 سنة بيدفع تمن حاجة ما بيحصلش عليها ده يبقى اسمه ايه بالصلاة ع النبي ؟؟


طيب ولو واحد مدرك ده تماما و مع ذلك مصمم على نفس الاستراتيجية بتاعته الى مش جايبه نتيجه فى كل السنين دى .. يكون تبرير ده ايه ؟؟

الى حصل فى اسكندرية و مدينة نصر و المنيا و الى لسه حيحصل .. ده كله بيتدفع مقابل ايه ؟؟؟؟


شيئان متوهمان عند الناشطين السياسيين سواء مستقلين أو اخوان أو داعمين للبرادعي :

1. الاعتماد المكثف أحيانا على المظاهرات و المسيرات و اللافتات و البوسترات و الشعارات و الفيس بوك في مسيرة " التغيير "

2. حلم التغيير من أعلى


أما بالنسبة للنقطة الأولى : فهذا تحديدا ما يسمى بنضال الباتون ساليه .. لا يوجد أى نوع من تناسب القوى نهائيا بين الفئتين .. " ناس معاها شوم و مطاوي " و " ناس معاها لافتات و شعارات " ( سلمولي على التغيير بقى ) .. " لاأخلاق في السياسة " جملة وجعولنا دماغنا بيها في الكلية لما اتخصصنا علوم سياسية ( يا رب الناس تفهم ).

ما قاله تميم في قصيدة الخط أعتبره كافيا : " أما خليفة السبع أبو زيد الى فى ملامحه جبل و صعيد جوعته و اديته عصاية و بتذل فيه م العيد للعيد .. لو يوم يقول بس كفاية راح تجرى فى البر مدابح .. ده مش بتاع يسقط و يعيش "




بالنسبة للنقطة الثانية : " و معلش استحملوني فيها شوية علشان بس أنا دمي محروق و محتاجة أفك الطلاسم الموجوده على الساحه دي " .. بالنسبة للجمعية الوطنية للتغيير : الكلام المكتوب فى بيان التغيير زي الفل .. سؤالي معلش .. بعد ما يتم جمع الأصوات المطلوبه ..وبعدين ؟؟ الخطوة الى بعد كده ايه ؟؟ حتطلعو بالبيان ع الحكومة الموجوده في السلطة تقولوها الشعب موافق على ال7 مطالب دول لو سمحتى غيري بقى فتقوم هي مغيرة على طول ؟؟ الآلية المطروحة ايه في اجبار الحكومة الموقرة على التغيير يعنى ؟؟


بالنسبة للاخوان : "انتخابات" ايه دي يا جماعة الى انتو داخلينها ؟؟ أو السؤال بشكل تاني : انتو داخلين "الانتخابات" ليه أصلا ؟

لو قلت سيبكو من السياق المجتمعي و المناخ السياسي المصري و من مدى تأهيل الشعب لخوض عملية سياسية بحق ..

هل يعتقد الاخوان حقا في امكانية كسر الدائرة المفرغة و تحقيق الاصلاح عن طريق الآلية " الانتخابية المصرية " و اعتمادا على مبدأ التغيير من أعلى ؟؟


أتذكر حكمة قالها أستاذي الدكتور سيف الدين عبد الفتاح في احدى المحاضرات : " ان مواجهة شبكة الاستبداد في المجتمع لا بد و أن تكون بشبكة اصلاح فالنموذج الشبكي لا يُقابل الا بنموذج شبكي مثله حتى لا يتم ابتلاع المُصلح من قبل شبكة الاستبداد "


هناك قصور فادح لدى الجماعة في مساحات التواجد المجتمعية باختلاف أنواعها و التى أدَّعي أنها أهم و أكثر فعالية من و أسبق على " الانتخابات " مائة مرة


أين أنتم ؟؟ أين أنتم في العشوائيات ؟؟ في وسائل الاعلام ؟؟ فى المقاهي ؟؟ فى الشارع ؟؟ فى الكافيهات ؟؟ فى المدارس ؟؟ فى دور العباده ؟؟ في الجامعات ؟؟ في وسائل المواصلات ؟؟ في النوادي ؟؟ في المكتبات ؟؟ في دور النشر ؟؟

" و محدش يقولي القيادات متاخدة الله يكرمكم... الشباب الى ماشي في مسيرات في الشوارع في انحاء مصر بقاله ما يقرب من أسبوع و اتضرب و اتبهدل و اتمرمط .. بيعمل ايه طول السنة ؟؟ "

كيف يمكن لأى حزب / جماعة / فئة تمتلك بعض الحكمة السياسية أن تخوض ما يسمى مجازا بالانتخابات بدون الاستناد الى قاعدة شعبية " عريضة و متنوعة " داعمة على استعداد أن تقلب الدنيا رأسا على عقب من أجل من تدعمهم اذا تم تزوير الانتخابات أو تم التعرض للناخبين أو أى فرد من المنتمين للحزب / الجماعة / الفئة بسوء كما يحدث الآن ؟؟ خاصة اذا كان هذا يحدث في مجتمع به شبكة استبدادية فاسدة متغولة و متغلغلة .


و كيف ستتكون هذه القاعده اذا خلت مساحات التواجد المجتمعية من الفاعلين بالأساس ؟؟




لماذا لا يثور المصرييون ؟؟ أزعم أنه ليس لعدم قدرة المصري على دفع ثمن حريته .. بالعكس فهو قادر على دفع الثمن و ببسالة و التاريخ خير شاهد .. لكني أعتقد أن المصريين غير راغبين في دفع الثمن في الوقت الراهن !!

________________________________

أعتذر عن الاسلوب الخطابي الهجومى بعض الشيء و لكنه ناتج من قلب محترق أسفا على ما يحدث في حق أحبائه هذه الأيام =(