Tuesday, September 29, 2009

ألم الفقد





كثيرا ما سمعت و انا طالبة بكليتي الحبيبة عن اساتذه يمرضون و آخرون متعبون ، و تدور دائرة الحياة لتفتك بنا و بوقتنا فتكا لا ندركه الا بعد انقضاء العام الدراسي

كثيرا ما طالعت عيناى أخبارا معلقه على لوحة الاعلانات فى الدور الأرضى بالكلية لوفاة احد الأساتذة .. فأجد من يعرفهم أو من قرأ لهم أو سمع عنهم يتألم كثيرا ..

لم أكن أدرك حينها مدى ألمهم .. لم يكن ينتابنى شعورا حينها سوى أننى أرجو للمتوفى الرحمة و المغفرة اشفاقا عليه من وقفة حسابه أمام رب العالمين

و تعود الحياة لتعصف بقاربى و قارب زملائى من حولى لتملأها صخبا شديدا يلهى عن كثير من فروض و واجبات التواصل الانساني بيننا كبشر فى المقام الأول

و لكن كان لابد لنا من استفاقة

و كانت البداية

" هبة د/أحمد ثابت توفى من ساعات ... ادعيله " .. هكذا القاها لى أحد زملائى فى محادثة عبر " الانترنت " قبل ظهور نتيجة البكالوريوس بساعات قليلة للغاية كان قد بلغ فيها القلق منا جميعا مبلغه


أعدت قراءة الكلمات مرات عديدة قبل أن أنطق بكلمة واحدة .. كان الخبر كافيا لأن يجعلنى أشعر بأننى خارج نطاق الزمن .. فقدت القلق على النتيجه ، و الأفكار التى كانت تراودنى ، و الاحساس بالزمن ، و الاحساس بالمكان ، بل اننى فقدت القدرة على سماع من حولى فى تلك اللحظات التى أعادت فيها عيناي قراءة ما كتب أمامى ..

لم تكن تربطنى بأستاذى علاقات ممتدة .. و لكن كان هول الموقف أكبر من أى كلمات من الممكن أن تقال فى تلك اللحظات .. فقد أحسست بعدة أشياء متسارعة توالت على قلبى حينها ..


" يالله !!! د/ أحمد ثابت !!! ده انا لسه شايفاه فى الكلية الأسبوع الى فات !!!! انت متأكد من الخبر ده ؟؟؟ " .. هكذا أجبت بعدعدة لحظات مرت على كسنوات طوال ..

لم يستطع عقلى حينها أن يدرك كامل الادراك هذا التسارع الزمنى الذى حدث .. د/ أحمد كان يدرسنى مادة الصراع العربي الاسرائيلي طوال الفصل الدراسي الثانى بأكمله .. اجلس أمامه فى تلك الحجرة الصغيرة .. استمع اليه .. و الى ما يدور من حوار بينه و بين زملائى .. نذهب الى مكتبة الكلية لنفحص بعض المراجع ثم نعود اليه مرة أخرى للاستفسار عن بعض الأمور الخاصه بالتكليفات ..نتحدث اليه ، نستمع كلامه ، نحاوره ، و نشكره ، أو نتشاجر معه احيانا .. ثم نعود لنجلس أمامه فى نفس الحجرة الصغيرة فى اليوم التالى لنستمع الى ما يلقيه علينا من كلمات أفادتنى كثيرا و اضافت الى كثيرا .

يالله !!

شعرت بأننا قصرنا فى حقه تقصيرا شديدا حيث لم نتواصل معه بالقدر الكافى .. تمنيت لو يرجع بى الزمن قليلا حتى يتسنى لى معاتبته عتابا رقيقا على تلك اللحظات التى انفعل فيها اثناء حديثه علي .. و اعتذر منه فيما قد يكون بدر منى فى حقه فى معرض حديثي مع زملائى عن اليوم بما دار فيه من أحداث ..

تمنيت أن يرجع بي الزمن قليلا فيخبرنى أحدهم انه قد تم احتجازه بغرفة " العناية المركزة " قبل وفاته بأيام فنذهب اليه و نطمئن على حاله و نشعره بأننا ممتنون له على كل ما بذل من جهد ليفيدنا ولو بالنذر اليسير .

" احنا فى منتهى قلة الأدب على فكرة .. اساتذتنا ليهم حق علينا و احنا ما بنوفيهوش كله " هكذا قالت لى هديل حينما أخبرتها بوفاته .. و هي محقة .. فقد نزلت على كلماتها قاسية للغاية .. و تذكرت " ليس منا من لم يوقر كبيرنا و يرحم صغيرنا و يعرف لعالمنا حقه " .. و اتخذت كلتانا عهدا على نفسها بأن حق و فضل اساتذتنا علينا مقدم على أى ملهى من ملاهى الحياة بعد ذلك .. فالانسان الذى كرمه رب العزة يستحق منا حسن وصله و الاطمئنان عليه .


لم تمض سوى أشهر قليلة حتى وصلنى أن أستاذى الفاضل د/ عبد العزيز شادي قد تم احتجازه بغرفة العناية المركزة لسوء حالته الصحية .. قلقت عليه قلقا شديدا .. فقد كانت تربطنى به علاقة طيبة للغاية و قوية .. و كنا قد فرغنا توا من مناقشه بحث التخرج الخاص بي منذ بضعة أيام ..

استطعت هذه المرة أن أتواصل مع زوجته بما أعاننى الله من جهد للاطمئنان عليه .. حتى من الله عليه بالتحسن و الخروج من المشفي

قابلته بعدها فى مكتبه بالكلية لأجده يرحب بى ترحابا عارما كعادته معى و مع زملائى ممن اعتادو الذهاب لسؤاله او السؤال عليه فى مكتبه .. تبادلنا حديثا طيبا .. و انهينا حديثنا بوعد منه بمكالمتي لاستكمال حديثنا بعد عودته من " المصيف " حيث انه بحاجه ماسه الى الراحة و الاستجمام بعد هذه الشدة الصحية ..

لم تمض سوى أيام قلائل حتى علمت بأنه تم احتجازه مرة أخرى بغرفة العناية المركزة في حالة صحية سيئة للغاية .. و عدت و زملائى للتواصل مع زوجته للاطمئنان عليه .. و طمأنتها حينما نسمع صوتها قلقا على زوجها قلقا شديدا .. و التخفيف عنها قدر استطاعتنا .. فلم يكن استاذنا عبد العزيز بالنسبة الينا استاذا فقط .. بل كان معلما ..

لم يدخر جهدا فى مساعدتنا بأى شكل من الأشكال منذ أن كان يدرس لنا مادة الفكر السياسي فى السنة الثانية لنا بالكلية .. كان حريصا على مناقشتنا فيما لدينا من أفكار .. يستمع الينا جيدا .. و يحاورنا بدقة فيما نطرحه من حجج .. كان دائما مهتم بأن يغرس بنا قيمة العمل ، و اهتم كثيرا بأن يعلمنا كيف نعترض على ما أعوج حولنا من أوضاع ، و نسعى لتصحيحها ، و لم يدخر جهدا فى أن يرشدنا الى الطريق الأصوب فى هذا

لازلت أذكر حينما طرقت باب " غرفة الكنترول " بعد انتهاء امتحاناتى للعام الثانى بالكلية لأطلب منه الخروج من بين أكوام الأوراق الهائلة و ترك ما يغرق فيه من عمل هام للحديث معه - و لم تكن تربطنى به علاقة قوية حينها- فيقبل مبتسما و يترك ما وراءه من عمل و يستقبلنى فى مكتبه ليسمع ما لدى .

لازلت أذكر مدى اهتمامه البالغ بما قدمت اليه من وريقات بسيطة طرحت فيها رؤيتى المتواضعه و تقييمي لما قدمه لنا فى العام الثانى من مادة وما اتبعه فى التعامل معنا من أسلوب تدريسي أو تحاورى أو تقيميي

لازلت أذكر تلك التعبيرات التى ارتسمت على وجهه حين قراءته لورقاتى البسيطة ، و لازلت أذكر سعة صدره فى تقبل كلماتى الناقده بحوار جاد وابتسامة دافئة و اهتمام بالغين ..

لازلت أذكر مدى ترحابه و سعادته حينما طلبت منه أن يشرف على بحث تخرجى هذا العام .. لاتزال كلماته تردد فى أذناي " ده شرف ليا يا فندم "

لازلت أذكر مدى اجتهاده و تعبه معى فى بحثي ، و مدى اهتمامه الجاد بمتابعه سرعة خطواتى فى اتمام كتابته ، و كيف كان يرفع من همتى حينما تخبو " و كثيرا ما كانت " ، و كيف كان يبذل ما فى وسعه لتذليل العقبات أمامى من اجراءات أمنية مشددة حتى أتم بحثى على الوجه الذى أرجوه حتى و ان تطلب منه ذلك أن يستخدم علاقاته الشخصية التى تربطه بمن يعرف فى الجهات المختلفه حتى أتمكن من قضاء عملي على الوجه الذى يرضيني كما فعل !

لازلت أذكر نصائحه التى كان يواليني بها قبل يوم المناقشة ، ولازلت أذكر دفاعه عنى أمام لجنة المناقشة حينما حملونى بأكثر مما أطيق من التزامات أكاديمية

لازلت أذكر مدى فرحته بما بذلناه من مجهود - انا و مريم زميلتي- فى ابحاث تخرجنا ، و فرحته بحصولنا على تقدير امتياز بعد تقييم أعمالنا تقييما دقيقا من قبل لجنتى المناقشة الخاصتين بنا .

لازلت أذكر كلماته الفرحة بعد اعلان نتائجنا " انتو رفعتو راسي .. انا فخور بيكم جدا .. الواحد دايما بيبقى فخور بالطلبة بتوعه أكتر من أولاده .. لانه بيشوف فيهم الى ولاده مش قادرين يحققوه "

لازلت أذكر تلك الكلمات المادحات التى قالها فى حقى بأكثر مما أستحق أمام أحد الأساتذة حينما عرض الأخير على فرصة للعمل معه بوزارة الخارجية

لازلت أذكر تلك الحوارات السياسية التى كانت تدور بيني و مريم و بينه و مساعده لفترات طويلة

لازلت أذكر ولازالت تردد آخر كلمات سمعتها منه بعد لقائى اياه فى مكتبه بعد وعكته الصحية الأولى : " انا حكلمك لما أرجع من المصيف ان شاء الله .. استنيني انا الى حتصل بيكي .. احنا محتاجينلك معانا فى المركز هنا .. من فضلك ما تسيبيناش "


لم أسمع بعدها سوى صوت زوجته على مدار شهرين كاملين احتجز خلالهما بغرفة العناية المركزة .. و كان آخر ما قالته بتأثر شديد فى ثاني أيام عيد الفطر " ادعوله .. حالته سيئة جدا "


البارحة أبلغونى خبر وفاته بالقصر العيني ..

لم أشعر بذلك الشعور الذى اعتصر قلبى حينها من قبل سوى مرة واحدة طوال حياتى ..



تيقنت حينها بأنه ألم الفقد

ألم أن تفقد انسانا عزيزا عليك .. انسانا أحبتته و احترمته كثيرا .. انسانا لم ينقل اليك فقط علما وعيه و درسه و قام بحقه ، بل حرص على ان يعلمك منهجا فى الحياة ، و طريقة للتعامل مع معطيات الواقع المعوج من حولك .. انسانا كان حريصا الا تغرق بفكرك فى متاهات التفلسف و الابراج العاجية و تنسى نزولك الى أرض واقعك لتعمل بما علمت و تعلمت




استاذى الفاضل .. اسأل الله أن يجعل كل خطوة خطوت بها الى تعليمنا علما نافعا ثقلا لك فى ميزان حسناتك .. و أن يجعل كل لحظة أمضيتها فى تغيير سلوكنا و تقويم خطواتنا و ارشادنا الى ما هو أصوب لنا شاهدة لك يوم الوقوف بين يديه .. و أسأله بأن يكتب لك بكل طالب علم جلس يستمعك يوما ثوابا مضاعفا .. و أن يخرج ممن تعلمو على يديك من أبناء المسلمين من ينفع و يخدم و ينصر دينه مستفيدا بما علمته من علمك .. و أن يكتب لك بعدد أنفاسك التى أخذتها أثناء مرضك مغفرة لك و رحمة .. و أن يجعل لك من أبناءك من يصلح أمر دينه و دنياه فلا ينقطع عملك من بعد وفاتك لدعائه لك بالخير .. و أن يجعل علمك الذى نقلت الينا علما ينتفع به .. و أن يجعلك ربى ممن يبشرون بروح و ريحان و رب راض غير غضبان .. و أن ينزل عليك سكينة تغشاك فى قبرك .. و يجعل عملك الصالح مؤنسا لك فى مثواك .. و أن يقيك من عذاب القبر .. و أن يريك مكانك من الجنة فتسكن روحك و تسعد ..

و أن يستجيب لدعائى فهو رب العزة تبارك و تعالى جل شأنه القائل فى كتابه الكريم " ادعونى استجب لكم "


أسألكم الدعاء لأستاذى بما يفتح الله به عليكم من دعاء الخير


لله ما أخذ .. و لله ما أعطى .. و كل شىء عنده بمقدار

رحم الله استاذى عبد العزيز محمود شادي رحمة واسعة و غفر له ذنبه و جعله من المقبولين .. اللهم آمين


و انا لله و انا اليه راجعون


Saturday, September 19, 2009

و من القلب تحية :)





كل عام و أنتم بكل خير و سعادة يا رب
:)



مجرد محاولة بسيطة للتهنئة بالعيد ..


أهديتها منذ عام تقريبا من صديقة عمرى ميرو :)


أحببت أن أهديها اليكم :)




Aid_Said.mp3