Tuesday, July 28, 2009

مرآة مصر العاكسة 2/3






نزلنا الشاطىء يوم الجمعة .. و هي ( غلطة بنت ناس جدا علشان الشاطىء عليه أمة محمد من أهل المدينة ذاتها " اسكندرانية يعنى " و المستوى مش ولابد و المناظر الى على الشاطىء ما يعلم بيها الا ربنا ) هكذا قالت أمى ، و وافقتها فى الرأى أختى .

أما انا فكنت أرى أنها فرصة " لقطة " للتعرف على وجه آخر للحياة لم أعتده من قبل .. كنت حاساها حتبقى فرصة جميلة جدا للتعرف على مصر التي لا أعرف كما فعلت من قبل حين زيارتى لـ " عين شمس " .. و لكن بالطبع أكننت ذلك الرأى في قرارة نفسي و لم أصرح به " علشان اليوم يعدي على خير .. و من غير الدخول فى مهاترات حوارية ليس لها أى نتائج سوى حرقة دم جميع الأطراف المعنية !! "






كان الشاطىء مزدحما جدا بالفعل .. أفواج كثيرة من البشر .. كل الأعمار بدء من السنوات الأولى للعمر و انتهاء بمراحل الشيخوخة


المرح يغلب على الجو العام فى المكان .. البسمة ترتسم على وجوه الكبار و الصغار ..



أدركت أن هناك نوعا آخر من أنواع الفنون الساحرة حقا لن تجده الا فى مصر .. فى مصر و فقط .. هو فن التأمل فى تلك الملامح الدافئة لوجوه من حولك من ابناء هذا الشعب



حقا .. تلك الملامح بها سحر عجيب .. ملامح قانعه للغايه بأقل قليل لديها .. على الرغم مما تخفيه خلفها من " غلب ما يعلم بيه الا ربنا "


ملامح تسمعها تقول لك فى كل لحظة " الحمد لله على كل حال .. احنا أحسن من غيرنا "


ملامح تشعر بمجرد النظر اليها أن بينك و بين أصحابها " عشرة عمر " بالرغم من أنها المرة الأولى و قد تكون الأخيرة التى تراها فيهم


لم أستطع أن أرفع عيناى عن الأطفال و هم يمرحون على الشاطىء .. نقاء و براءة بكل ما تحمله الكلمتان من معنى


ترى لو يعرف كل منهم ما ينتظره فى هذا البلد بعد بضع سنوات قليله قادمة من عمره أكان سيبتسم و يمرح كما هو حاله الآن ؟؟


اكتشفت بمرور الوقت و انا جالسه أتأمل فى تلك الملامح الدافئه لمن حولى ان بهاء المظهر يخفى وراءه الكثير من التشوهات الفكرية و الاجتماعيه التى يجدر بنا الوقوف عندها بالتأمل كثيرا .. محاولة للوصول الى تفسير لسبب منطقى ادى الى تجذر و تغلغل هذه التشوهات فى نفوس اصحابها بهذه القوة .. و التى وصلت الى مرحلة جعلتهم يجاهرون بها بلا تردد أو خوف أو حتى استحياء


أول هذه التشوهات هو فرق الملامح بين الباعة المتجولين الذين يمرون عليك فى عرض مستمر لبضائعهم طوال النهار ذهابا و ايابا و بين مرتادي الشاطىء من باقى ابناء الشعب

هؤلاء الباعة المتجولون يحملون على وجوههم العديد من التعبيرات التى تعكس مدى البؤس و الغلب و الشقاء الذى يعيشون فيه و الذي يحملونه معهم و هم مارين عارضين بضاعتهم امام المصيفين لعل و عسى أن يظفر أحدهم " ببيعة ياخدلو من وراها قرشين "


لا أتعاطف مع الباعه من الشباب بقدر تعاطفي مع نظائرهم من الاطفال و الصبية ..


أشعر دائما بأنهم الأكثر بؤسا و الأضعف جسدا و الأشد تعبا


تذكرت تلك الطفلة الصغيرة التى لم تتجاوز الخامسه من عمرها فى " المصيف " الماضى حينما كانت تمر أمامنا ببعض المشغولات التى تحملها فى يدها الصغيرة " كبشة " واحده .. و تنظر الينا فى عزة نفس لم أر مثلها في عيون الكثيرين ممن هم في مثل عمرها ..
تذكرتها حينما وقعت عليها " عصا الشمسية الغليظة " لتطرحها و جسدها الهزيل أرضا .. ليهرول اليها كل الموجودين على الشاطىء من رجال و نساء ..


تذكرت عيناها الصغيرتين اللامعتين التان كانتا تضيئان وجهها الأسمر الصغير كالبدر كما يضىء ظلام السماء ليلا


تذكرت صوتها الهادىء .. و ابتسامتها الرقيقه حينما داعبتها احدى الفتيات لتخفف عنها ما حدث

أفقت من جديد لأجد نفسي لازلت جالسه على شاطىء الأسكندرية .. يالله .. الفوارق الطبقيه فى مصر أصبحت غير مقبوله حقا .. الفجوة تتسع بشكل متسارع لتأكل من الطبقة الوسطى فى المجتمع .. فاما ترفعهم الى طبقة أصحاب رؤوس الأموال .. أو انها كما هي العاده تقذف بهم الى الاقتراب من خط الفقر أو ما دونه ..


" أرزاق " .. هكذا همستلى نفسي أثناء متابعتى للباعة من أمامى .. منهم من ترى الناس يتخطفون بضاعته متلهفين بشده .. حتى يبيع كل ما لديه تقريبا و يذهب ليأتى بمجموعه جديده لبيعها .. و منهم من يظل حاملا بضاعته طوال النهار ذهابا و ايابا و لا يجد من يشتريها منه حتى يذهب كل من هم جلوس على الشاطىء ..

سبحان الله .. بالرغم من أن جميع الباعه يبذلون الجهد نفسه و يعرضون بضاعتهم أمام الناس ذاتهم .. الا ان مكسبهم فى نفس اليوم مختلف تماما عن بعضهم البعض


ألقيت بنظرى على مياه البحر و أمواجه المتلاطمة من أمامى فاذا بى أدهش لمظهر آخر جذب انتباهي بشده ..


هذه هى السنة الثانية التى يتكرر أماى هذا المشد .. المنتقبات ممن نزلن البحر للمرح قليلا !!


مشهد مستفز للغاية حقا.. سيدة محترمة منتقبه ترتدى اسدالا فضفاضا لا يكشف منها شىء .. تنزل الى البحر مع زوجها .. ساعه .. اتنين .. تطلع كأنها مش لابسه اى حاجه خالص .. .. الملابس المبلله قامت بدورها و زياده فى الغاء صفحه " الحجب " التى يعكسها لفظ " حجاب " ..


قد يتعجب البعض من انى أختص المنتقبات من هذا المشهد .. مع العلم ان المحجبات " الغير منتقبات " يفعلن نفس الشىء و النتائج كذلك ذاتها


أحد المفارقات الأساسية التى الحظها فى جزء كبير من الملتزمين دينيا هو الاهتمام البالغ و المنضبط ايضا بالمظهر الخارجى مع اهمال لجوانب كثيرة جدا من جوهر العقيدة لديهم .. و هذا حقا ما يثير عجبي الشديد .. حيث انه من المفترض ان الرقى فى المظهر الخارجى للالتزام يأتى انعكاسا لتطور الحالة الدينية الداخلية للفرد للأفضل .. و بالتالى يأتى المظهر مكملا و عاكسا لمستوى الرقى الديني لدى الفرد .. و من ثم فان مظهر المنتقبه خاصه يعكس مدى رقيها الديني و وعيها بأمور دينها و تفهمها لها عن عمق بقدر أكبر من مثيلاتها المحجبات و فقط .. و لكن للأسف لم أجد هذا النموذج خصيصا منضبط الا فى قلة قليله للغاية من فئة المنتقبات .. بل ان النموذج السائد هو العكس تماما .. و ان كان غير قاصرا على المنتقبات و فقط بل و يمكن تعميمه على حال الكثير من الملتزمين من الرجال و النساء اليوم ..



لم يكن هذا هو المشهد الوحيد العجيب أو المستفز بالنسبة الى من فئة " الملتزمين " .. حيث انها كانت المرة الاولى التى أرى فيها نوع جديد من أنواع النقاب فى مصر و هو النقاب " الكارينا " !!!!!!!!!!!!!

أي نعم .. " حضرتك قرأت الجملة صح سعادتك " النقاب الكارينا .. بمعنى " بنطلون جينز .. و بدى كارينا .. عليهم فستان -كت- شيفون طوله يمتد لبعد -الركبة- و بعد كل هذا طرحه سوداء فضفاضه تغطى الرأس و الأكتاف و عليهم " نقاب و غشوه " !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

لا تعليق !!!


لم يكن هذان المشهدان هما العاكسان الوحيدان للتشوه الديني لدى المجتمع المصرى بملامحه الدافئة .. فلم أكن أعلم أن يوم " الجمعة " على شاطىء الاسكندرية يخفى لى من الحكاوى عن حال المصريين الان الكثير و الكثير






عادت عيناى مرة أخرى لمتابعة الأطفال و عفوية خطواتهم و وثباتهم على الرمال .. جذبت عيناي طفلة لم تتجاوز السنتين من عمرها .. ترتدي فستانا أزرق اللون .. شعرها الأسود القصير يعكس عليها مرحا أكثر مما هي فيه .. تحمل ملامح مصرية أصيلة .. ابتسامتها ترتسم على وجهها لتزيدها " طعامة " على جمال طفولتها

أدركت أن والدتها هى صاحبة " الشمسية " بجوارى مباشرة .. لاحظت هي مدى مراقبتي لطفلتها الصغيرة عن كثب فى خطواتها .. فنظرت الى و ابتسمت .. فبادلتها الابتسام .. و ظللنا فى مرحلة تبادل الابتسامات لفترة طويلة على مدى الثلاث ساعات التى قضيتها على الشاطىء ..

كانت طفلتها بريئة للغاية لدرجة دفعتنى أن أعقد العزم على استئذان والدتها فى التقاط بعض الصور الفوتوغرافيه للطفلة .. و لكن لم أشأ أن أذهب لاستئذانها فى حضور كل شباب و رجال عائلتها و فضلت الانتظار حتى يحين موعد صلاة الجمعة و يذهب الرجال من الشاطىء لاداء الصلاة " و اهو كلها ساعه الا ربع و الاذان حيأذن يعنى "






حان موعد الصلاة .. و دوى صوت المؤذن ليملأ الأرجاء ..

خمس دقائق

عشرة دقائق

ربع ساعة

ثلث ساعة

نصف ساعة مضت منذ وقت الأذان و لم يتحرك أحد من مكانه الا قلة قليلة .. اما كل الشباب و الرجال مازالو فى أماكنهم و يتصرفون بشكل طبيعي طبيعي " طبيعيييييييييي فيتراك :$ "


بالرغم من محاولتى الجاده فى اسكات صوت نفسي الهامس بداخلى .. الا ان همستها هذه المرة كانت أقوى من محاولات اسكاتى لها .. " ايه الوكسه دى !!! " كانت هذه همسه عالية من داخلى .. لماذا لم يذهب الشباب للصلاة ؟؟ " البحر مش حيجري يعنى !! "


أخرجنى من حالة المحادثة الذاتيه صوت مجموعة من الشباب الاسكندرانية الجالسين على يميني .. كانوا مجموعة يقرب عددهم من ال7 أفراد على ما أتذكر .. كلهم تجاوز العشرين من عمره .. و أدركت من ثنايا حديثهم أنهم " تجار "


كان أحدهم يجرى مكالمة هاتفيه يطلب من الطرف الاخر المحادث له أن يحضر لهم معه و هو قادم " معسل .. علشان يظبطو دماغهم "

بعدما أنهى المكالمة سأله أحد أصدقائه عن شىء ما .. ثم رد الشاب بعدها " أنا حروح أجيب بيرة .. حد ييجي معايا "

رد أحدهم : " لا الى عايز يسكر يبقى يسكر لوحده "

رد آخر : " ابقى هات عدد ... بيرة "

رد الشاب : " لا فلان ده ما بيشربش بيرة .. بيشرب بيريل بس "

أنا : :$ :$ :$ :$ :$ :( :( :(

أكمل الشباب حديثهم .. موجها أحدهم سؤاله للشاب الذى كان يجري المكالمة الهاتفيه

" و انت كنت متنرفز ليه كده بس "

رد على سؤاله : " فلان عايز يروح يصلى يا سيدي و مش جاى دلوقتى .. هو حر بقى .. "

عقب آخر : " اه .. طب و ماله ما يروح يصلى .. ما احنا المفروض نروح نصلى احنا كمان .. يلا بينا ؟ "

رد الشاب مرة أخرى بعلو الصوت : " أنا ما بصليش .. ولا جمعة .. ولا سبت .. عايز تصلى .. روح يا عم صلى .. ربنا يهديك "


انتظرت أن يحدث ما توقعت بأن يقوم الشاب الذى دعاهم للصلاة بجمع باقى العدد و يذهب بهم للمسجد تاركين ذلك المجاهر وحده .. أو حتى أن يقوم الشاب بمفرده و يتركهم جميعا ثم يعود اليهم بعد الصلاة .. لكن ما حدث بالفعل .. هو أنه لم يتحرك أحدهم من مكانه .. و اكملو تبادل حديثهم بشكل " عاااااااااااااااااااااااااااااااادى جدااااااااااا "


صدق حقا مالك بن نبي حينما قال بأن فى وطننا العربي الان " هناك انفصالا بين العنصر الروحي و العنصر الاجتماعي ، هناك فرق بين المبدأ و الحياة "

نعم كان محقا ..

و كان محقا كذلك حينما قال أن تهيئة " المحيط " للاصلاح هو من الشروط الاوليه لحل مشاكلنا ..

كما كان محقا أيضا .. ان داخل شبابنا تكمن جذوة الايمان لانها هى الحقيقة الأولى للروح .. و لكن تنتظر من يوقظها ثم بعد ذلك من يهيىء لها المحيط ليصل ما بين الروحي و الاجتماعى .. فلا نشهد انفصاما بين السلوك و المعتقد


ما قاله مالك بن نبي ينطبق بحذافيره على ما حدث مع الشاب الذى أراد الصلاة .. لم يكن المحيط مهيئا على الاطلاق بالرغم من رغبته الصادقة فى الذهاب لاداء صلاة الجمعة .. لم يجد من يشجعه .. او حتى ما يحمسه على الذهاب .. لا فى محيط اصدقائه .. ولا فى محيط باقى الشباب و الرجال ممن لم يذهبوا للصلاة .. و بالتالى ظل هو جزءا من منظومة متسقه مع ذاتها للغايه و لم يصبح شاذا عنها حينما عزم الذهاب ثم جلس مكانه و لم يفعل ..


جذبت عيناى مرة أخرى الطفلة ذات الرداء الأزرق .. و قررت أن أذهب هذه المرة الى والدتها لاستئذانها فى تصوير ابنتها

كانت الأم تحمل نفس ملامح الطفلة تقريبا .. نفس الملامح المصرية الجذابة .. بالرغم من أن الأم و الأسرة بكاملها كان يبدو عليهم أنهم من المناطق الأكثر شعبية فى المدينة .. الا ان ملامحها كانت تنطق بأصاله مصرية رائعه حقا

اندهشت كثيرا حينما وجدت الأم التى لم تتجاوز الحادية و العشرين لديها طفلتان احداهما تبلغ من العمر حوالى 7 سنوات و الأخرى هى تلك الصغيرة التى استحوذت على انتباهي

حينما وقفت بجوار الأم تصنعت هى في البداية عدم ملاحظتها لي .. فابتسمت كثيرا .. و حينما بدأتها بالسلام .. و جدتها فى غاية السعادة و ترد السلام على و تفاجئنى بسؤالها " ازيك ؟؟ عاملة ايه ؟؟ " .. فى هذه اللحظة كانت نفسى تقول " يا الله .. المصري ده انسان عجيب .. عشرى لدرجه غريبة فعلا .. فهذه السيدة لا تعرفنى مطلقا و لكنها تسألنى عن حالى بطريقة توحى بأن بيننا علاقات وطيدة :) "

حينما استأذنتها فى تصوير ابنتها رحبت للغاية .. كانت فى أكثر لحظات سعادتها .. و فوجئت بها تقول لى : " هاجر دى بركة .. دى مولودة و مكتوب على صدرها اسم " محمد " حتى بصى " .. و كشفت جزءا من جسد ابنتها .. و اشارت باصبعها لموضع محدد ..

نظرت بدقه بالغة .. فلم أر سوى منمنمات صغيرة لها لون أغمق قليلا من جسد الطفلة متجمعه مع بعضها فى هذا الموضع .. و لم تكون شىء سوى شكلا أقرب " للنمش " منه الى اى شىء آخر ..

يالله على اعتقادات المصريين .. ما الذى جعل هذه الأم تعتقد فى أن النمش الموجود على جسد ابنتها يكون اسم " محمد " بالرغم من انه لا يعكس هذا اطلاقا .. و ما الذي يجعلها تصف ابنتها بأنها " بركة " لمجرد وجود هذا النمش على جسدها !! .. بل و ما هو مفهوم " البركة لديها من الأساس " !!! :) :)


ابتسمت .. و داعبت الطفلة و أختها التى اتت مهرولة لترى ما يحدث .. و التقطت صورة للطفلة لم تكن من منظور جيد كما كنت أرغب و لكن يبدو أن انتباهى لان " أمة محمد من الشاطىء بتبص عليا فى تلك اللحظة و بتشوف ايه الى انا بعمله أربكنى قليلا "

شكرت الأم و هممت بالرحيل لأجدها تعرض على أن التقط صورة أخرى لطفلتها هذه المرة حين ارتدائها " للبرنيطه" .. ابتسمت كثيرا و تعجبت من هذه الأم التى لا تعلم عنى أى شىء .. ولا تعلم من سيرى صورة طفلتها .. ولم و لن ترى ما التقطه من صور لابنتها .. و لكنها شديدة الحرص على ان تظهر ابنتها فى أفضل شكل ممكن :)

التقطت صورتين اخرتين و شكرتها ثانيه و استأذنتها فى الرحيل .. فودعتنى بدعاء انطلق منها فى عفوية و بساطة شديدة قائلة " عقبال ما تشوفى عدلك يا رب :) "

ذهبت من أمامها و ترتسم على وجهى ابتسامة اعجاب و دهشة كبيرة من ذلك الشعب .. الذى لو كتبت فيه مجلدات عديدة عن طبيعة ابنائه و تركيباتهم النفسية لما أوفته حقه ..


اتجهت بعدها الى الشقه مرة أخرى .. لتناول الغداء مع اسرتى .. و الراحه قليلا :)


Friday, July 10, 2009

مرآة مصر العاكسة 1/3





أحاديث عديدة سمعتها منذ فترة قبل ذهابي هذه المرة الى الاسكندرية .. و ما العجب .. فقد مضى وقت طويل منذ آخر مرة زرنا فيها عروس البحر المتوسط !!!

كانت جميعها حكايات من الأقرباء و المعارف .. عن مدى جمال المدينة و اهتمام المحافظ بها .. و روعة الشواطىء و جمال البحر بعد منع المصانع من تصريف مياه مخلفاتها فيه .

قبل الذهاب الى هناك أخذت أختى في عمل " لسته " باماكن التنزه هناك .. قامت باجراء سلسلة من المكالمات التليفونية الناجحة لعدد من الأصدقاء للتعرف منهم على أهم المعالم التى يجب علينا زيارتها هناك ..

" كوبري ستانلى " .. " قلعة قايتباي " .. " قصر المنتزة " .. " مكتبة اسكندرية " .. " متحف الاحياء المائية " .. " الميناء " .. الخ الخ الخ .

هكذا أخذت تراجع القائمة طوال الطريق .. و تسأل عن مدى قرب هذه الاماكن أو بعدها عن مسكننا هناك .

كانت " الشقة " في آخر المندرة .. من الشرفة نرى جزء كبيرا من حديقة قصر المنتزة .. و بناء عليه .. لم يكن غريبا أن يكون القصر هو أول محطات الزيارة في اليوم التالي لوصولنا .

" 6 جنيهات للسيارة أو الفرد " .. هكذا كتب على لوحة كبيرة في مدخل القصر ..

بابا - " كام يا ابني ؟ "

الحارس - " 30 جنيه ان شاء الله يا فندم "

حضرتي - " 30 جنيه !!! ليه !! "

الحارس - " علشان كل واحد فيكو 6 جنيه و العربية 6 جنيه .. يبقى كله 30 جنيه !! "


سموى تسأل بصوت مسموع- " هو ليه حاسب البنى آدميين الى جوه العربية ؟؟؟ أمال ايه معنى " أو " الى مكتوبة على اليافطة دى !!!!! ""



المهم .. دخلنا :)






مساحات شاسعه من الخضرة الممتدة تحيط بك من كل جانب .. اشجار مختلفة الأشكال و الأنواع .. نخيل منسق بشكل فنى .. أزهار بديعة الألوان .. ممرات كثيرة تتخلل كل هذه المساحة .. مكان أكثر من رائع حقا

طوال مسافة سيرنا فى تلك المساحه الكبيرة كان فى بالي شىء واحد فقط يتردد بشكل متوالي ..
(لو أن دابة عثرت في العراق لسألني الله عنها لم لم تسو لها الطريق يا عمر).

يالله .. من بوسعه أن يحتمل محاسبة ملك الملوك على كل هذا " الثراء " !! .. (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) ..

كنت فى حالة من الذهول من تخيل موقف المحاسبة .. لو أنهم يعرفون بأنهم محاسبون حسابا عسيرا !!!!

خواطر متوارده كثيرة كانت تمر مرورا سريعا على ذهنى اثناء فترة سيرنا فى الحديقة .. حتى وجدتنا وصلنا أمام مبنى القصر ..






بس ثانية واحده كده حضرتك ..


أستووووووووووووووووووووووووب


قبل الشروع في قص ما حدث هناك .. ينبغى و يتحتم " واخد بالك انت " أن أقص عليك مسبقا جزء من تلك الحكاوى " اللطشيفة " التى أثروا بها رأسي " ولاد الحلال " عن ذلك القصر ..

و ده لهدف مهم جدا على فكرة " أحط سيادتك فى نفس الموود الى كنت فيه قبل ما أروح بالصلاة ع النبي هناك "


( قصر المنتزة .. يا سلااااااااااااااام .. ده قصر فخم جدا .. مبنى على طراز أوروبي ما حصلش )

( قصر المنتزة ده يا بنتى من جوه حاجه ما حصلتش .. شياكة ايه .. و جمال ايه .. و فخامة ايه .. و التحف الى موجوده جوه .. و الأثاث الى فيه .. حاجه ما حصلتش )

( قصر المنتزه ده أوضة النوم بتاعت الملك فيه كلها كريستال موف .. حاجه على مستوى ما حصلش )


و كل الـ " ما حصلش " الى انا عماله اسمعه طول الليل و النهار ده سيادتك .. كان يعقبه التأكيد على انك حتشوف الى عمرك ما شفته " وفقا لمبدأ قناة روتانا " لما نروح هناك و ندخل القصر :) :) :) :)



باااااااااااااااك بقى تانى


احنا كنا فين ؟؟

آه .. وصلنا قدام مبنى القصر نفسه


عايزاك تتخيل كده بقى المشهد الآتى :)

احنا قاعدين فى العربية .. و قدام القصر

و بابا داخل بالعربية على مدخل القصر

نلاقيه مقفول

فننده ظابط شرطة نقوله عايزين ندخل قصر المنتزة

فيقولنا طيب ما انتو فى القصر

نقوله لا .. احنا عايزين القصر نفسه

هو ضاحكا : مهو ده القصر نفسه

احنا : يا ابنى عايزين ندخل جوه نتفرج

هو مستغربا آخر حاجه : ممنوع يا فندم

احنا مذبهلين آخر حاجه برضه : ممنوع ليه حضرتك ؟

هو و قد ازداد اذبهلالا : ده قصر تبع رئاسة الجمهورية .. ممنوع حد يدخله يا فندم !!!

احنا و لسه مذبهلين برضه : ده الكلام ده من أمتى ؟؟؟؟

هو و قد بدأ يتأكد من اننا هربانين من المتحف المصري : من سنة 81 !!!!!




خدلك فاصل بقى دلوقتى تخيل فيه منظرنا عامل ازاى بعد الكونفيرزيشن دى و ارجع كمل قراية تانى :)



دى كانت حالة الذهول التانيه و الأقوى الحقيقة بعد ال30 جنيه الى اتاخدو على البوابه بدون اى تفاصيل .. و الى كده خرج منهم دخول القصر اصلا :)


بعد حوار طويل و تعقيبات كتيرة بيننا و بين بعضنا على الخبر اللطشيف الى لسه واخدينه ده .. استهدينا بالله كده و قلنا خلاص .. راح القصر الله يعوض علينا .. باقيلنا الشاطىء بقى ربنا يباركلنا فيه .. نقعد عليه شوية و بعدين نمشى

توجهنا سيرا على الاقدام المرة دى بقى للشاطىء " مهو اصل شكل العربية وشها نحس "

و لسه بنقول يا هادى يا رب حنحط رجلينا ع الرمل .. لقينا بنى آدم طلعلنا ما تفهموش منين و بيقولنا كلام مختلف بقى المرة دى " أيوة يا باشا ؟؟ "

و بعد توضيح السبب من زيارتنا للشاطىء الموقر سمعنا نفس الكلمة الى سمعناها عند القصر " ممنوع "

ليه يا ابنى ؟؟

" اصل ده شاطىء خاص "

فى اللحظة دى كان درجة حرارة غليان الدم في دماغى وصلت نقدر نقول بالتقريب كده ل 1200 فهرنهايت

و الصوت بدا يعلى .. : " خاص يعنى ايه يعنى ؟؟ "

الراجل بخجل : " خاص بناس معينة "

و انا كبرت فى دماغى بقى : ناس معينه .. مين يعنى ؟؟

و امى تشد فيا .. و انا مصممة اعرف مين

و امى : يلا يا بنتى

و انا : لا مهو مش طريقه دى بقى .. لا القصر و لا الشاطىء ..

المهم .. نجحت محاولات ابعادنا عن الشاطىء بسلام


فى هذه اللحظة كان عندى احساس تانى غير الغليان .. " هوبااااااااااااااااااااااااااااااا احنا اضحك علينا يا جدعاااااااااااااااااااااان .. أمال احنا دافعين 30 جنيه ليه بقى بالصلاة ع النبى ؟؟؟ افهم يعنى "


قالولى خلاص .. نقعد نتمشى فى الجناين شوية و بعدين نمشى


كنت بصراحه مستغربة جدا جدا جدا .. يعنى أمة محمد الى داخله القصر دى كلها و دافعه فلوس علشان الحديقه !!!!!!! من حب المصريين فى الخضرة أوى يعنى !!!!!


المهم .. قلنا نتمشى


هما خمس دقايق بالظبط يا اخواننا .. و اكتشفت الناس دافعه فلوس ليه


" couples
الحديقة كلها فى كل حته سواء مكشوفه أو متدارية مبدورة " اتنينات " و فى قول "


لأ بس مش أى اتنينات حضرتك ... الموقف الخلقى متدني لأقصى درجه ممكن تتخيلها .. تقدر تقول كما لو كانت الحديقة تدار " للدعارة " المقننة .. حاجه زى كده


كل الأوضاع الى ممكن تتخيلها كنا بنتحف بيها كل شوية .. وقوف .. قعاد .. نوم .. كله موجود حضرتك


لدرجه اننا كنا خايفين نبص فى اى حته غير تحت رجلينا علشان ما نشوف اى منظر من المناظر الى موجوده دى


الكارثة بقى .. ان العمال رايحين جايين هما و الحراس و شايفين الى احنا شايفينه ده برضه .. و ماحدش بيقول لحد حاجه .. ولا بيقومهم ولا اى بيهزأهم ولا كأن فى اى حاجه سيادتك اساسا يعنى


فى هذه اللحظة ادركت الكارثة الكبيرة الى احنا فيها

يعنى م الاخر .. الحديقة سمعتها مشبوهه !! يعنى الحراس عارفين ان الى داخل هنا داخل يمشى على كيفه و مدخلينه و المهم ال6 جنيه !!!!!!! يعنى هو ده الى فارق معاهم أوى و مش فارق معاهم القرف الى جوه ده كله !!!!



قررنا اننا لازم نمشى من القرف ده كله .. فركبنا العربية و طلعنا بره .. بعد نصف ساعه فقط قضيناها فى " قصر المنتزة " بجلالة قدره


و احنا ماشيين .. القيت ع القصر نظرة طوييييييييييلة جدا و حزينة جدا .. اذا كنت انا من نص ساعه و دمى اتحرق .. فالله يكون فى عونك انت و انت واقف بقالك 117 سنة بحالهم من 1892 لحاد 2009 شاهد على كل كبيرة و صغيرة بتحصل و لسه صامد و صابر