Thursday, March 17, 2011

!! حتى لا يظل الفعل مرفوع مؤقتا من الخدمة 3/1






التعديلات الدستورية 2011 : قراءة فيما وراء النص .


ان حالة الجدل التى يشهدها الشارع المصري هي حالة من أروع الحالات على الاطلاق التى لم يمر بها الشارع من قبل .. أن يجلس الغالبية من الشعب للقراءة و التمحيص و التدقيق و سماع وجهات النظر المختلفة حتى يستطيع كل فرد أن يكون رأيا قاطعا لديه فيما يخص قراره النهائي بالتصويت فى الاستفتاء على الدستور بعد غد يوم السبت القادم 19/3 .. هو حدث فريد من نوعه يدل على أن كل فرد منا بات مؤمنا تماما أنه كفرد قادر على التغيير .


ان حالنا اليوم يستدعي الى ذاكرتى كثيرا تلك الصورة الشهيرة المعروفة باسم دون كيخوت



التى تعتمد على وجود تفاصيل عديدة بالرسمة و التى تستوجب اعادة النظر اليها أكثر من مرة و من أكثر من مستوى حتى يستطيع الناظر اليها استخراج حقيقة المنظر بشكل واضح ولا ينخدع بالشكل العام للصورة

الصورة السابقة للوهلة الأولى التى يتم النظر فيها اليها توحى بوجود شخص كبير السن أبيض الشعر له لحية و شارب يتوسط الرسمة هذا اذا ما تم النظر الى الصورة من المستوى الكلى أو المستوى الأكبر .. أما اذا تم النظر الى الصورة بشكل أكثر تدقيقا فسنجد أن الصورة الحقيقية هي لفارسين يمتطيان جوادهما و تظهر خلفهما طاحونة هواء كبيرة


هذا تحديدا ما يحدث الآن أو هكذا أرى


أجد لدينا لوحة دون كيخوت المصرية .. ظاهرها ما يسمى بالتعديلات الدستورية و هو الواضح للجميع و هو ذاته ما يستنزف وقت الجميع فى النقاش حوله فيما اذا كانو مع النص المعدل أم لا .. و لكننى أعتقد اننا بحاجة الى نظرة مختلفة بعض الشيء




لدينا بعض المعطيات :

1. نصوص دستورية " قبل و بعد التعديل "

2. مجلس عسكري في الحكم

3. القوة الفعلية الآن في يد المجلس الأعلى للقوات المسلحة و الجيش


نقاط اتفاق :

أ. الدستور الحالي لا يصلح لشيء اللهم الا شيء واحد فقط و هو سلة المهملات متبوعا بصفيحة جاز و عود كبريت مشتعل .


ب. اللعبة السياسية تتكون من مكونين كل منهما فى غاية الأهمية .. المكون الأول : انها لعبة مصالح " كل لاعب يسعى لتحقيق مصالحه على حساب الآخرين " .. المكون الثاني : لعبة توازنات قوى " القانون الاساسي فيها البقاء للأقوى حيث أن القوة تخلق الحق و تحميه "



مشاهد في الخلفية :

أ. " ثورة " 52 .. اعلان الضباط الأحرار أن قيامهم بالثورة لا تعنى تفردهم بالحكم و انما ازالة الطغيان و الانضمام مجددا الى صفوف المواطنين .. النتيجة : حكم قمعى ناصري و استبداد استمر 60 عاما .

ب . ضرب الجيش المتظاهرين في ميدان التحرير يوم 25 فبراير .. و تعتذر صباح اليوم التالى .. ثم تكرار الحادث مرة أخرى يوم 9 مارس دون تقديم أى اعتذار أو مبرر من اى نوع .




حقائق مترتبة :

في حالة أن تم رفض التعديلات فان الموقف سيكون التالى :

لن يتم عمل دستور جديد وإنما "إنشاء أحكام عامة" تحكم عمل المجلس العسكرى خلال الفترة الانتقالية ولا يتم الاستفتاء عليه، كما قال اللواء ممدوح شاهين عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة مشيراً إلى أن فترة بقاء الجيش ستطول فى هذه الحالة عن 6 أشهر .


فى حالة الموافقة على التعديلات فان الموقف كالتالي :

ينتهى الجيش من تكليفه بإدارة شئون البلاد بعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهو الامر الذى أوضحه البيان رقم 4 للمجلس، وهو بمثابة إعلان دستورى يحدد عمل المجلس خلال الفترة الانتقالية وهى 6 أشهر كما قال اللواء ممدوح شاهين عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة




مقولات مطمئنة مطروحة :

يطمئن الناس الى اعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأنه غير راغب في السلطة ..

فكرة تحاورية مقابلة :

المجلس العسكري غير طامع فى السلطة : ما هو الضمان لأن جميع قيادات الجيش الباقية غير طامعه فى السلطة كذلك و لا تفكر فى احداث انقلاب عسكري للسيطرة على زمام الحكم ؟ ( المجلس الأعلى ليس هو الجيش بقياداته كاملا و لا يعبر عن رأى الجيش بكل فرد فيه بالضرورة )




مخاوف من اقرار التعديلات :

1. البعض يقول : ان اقرار التعديلات سيسمح لكل من الاخوان و السلفيين و " بقايا " الحزب الوطني من الاستحواذ على البرلمان و من ثم فان البلاد سيتم التلاعب بمقاديرها

2. القول بأن الرئيس القادم في ظل هذه التعديلات من الممكن أن يكون ديكتاتورا ..



the worst case scenario :

في ظل المعطيات الفعلية لدينا على أرض الواقع : النقطتين التان سبق الاشارة اليهما بالأعلى + اتفاقنا على أن الدستور الحالى لا يصلح حتى بعد " تعديله " .. و مع تفعيل تخيل ( المشهد الأكثر سوءا ) من باب المفاضلة بين المفاسد و المصالح الوطنية فيمكننا القول بالتالى :


فيما يخص النقطة 1. اذا تم هذا " و هو أمر مشكوك فيه بالنسبة الى خاصة فى ظل وضع الحزب الوطنى الآن و تصريح جماعة الاخوان بأنهم يعتمدون إستراتيجيتهم الحالية " مشاركة لا مغالبة "، ومعنى ذلك أنهم سيترشَّحون على حوالي 35% من المقاعد، ولهم قوة تصويتية موجودة في بقية الدوائر الـ65% " .. على أسوأ الاحتمالات " من وجهة نظر البعض " اذا تم هذا فالسؤال الذي يطرح نفسه حينئذ :

هل اختيارات الشعب الآن تُمثل غُصة في حلقنا.... هل الحُرية التي قُتل من أجلها الشُهداء أصبحت الآن مُخيفة؟؟؟ لماذا نكره اختيارات الشعب الآن؟؟
اذا كنا طالبنا بالحرية و قتل منا المئات من أجلها .. و حين منحناها و أتيحت لنا فرصة التعبير الحق عن آرائنا و اختياراتنا نتعمد اتباع المنهج الاقصائي الذي عانينا منه قبلا .. فهذا لا يدل الا على شيء من اثنين :

اما أن المجلس المنعقد فعلا هو من اختيار الشعب الحقيقي الكامل " في حالة ما اذا تم تكوين المجلس كما يُقال من الاخوان و السلفيين و الوطني " .. و بالتالى يتوجب علينا احترام رغبة الشعب تماما في هذا .

أو أننا ضمنيا نؤكد صحة ما قاله سابقا عُمر سُليمان عن عدم استعداد الشعب للديموقراطية ..و هو ما ثار الناس عليه حينها

أو أننا أمام خيار ثالث و هو أن الشعب ليس بالضرورة " المتحدثين باسم الثوار على اختلاف فئاتهم و ممثليهم" و رؤية الشعب لا تتفق بالضرورة مع رؤية المتحدثين باسم الثوار .. و بالتالى في هذه الحالة وجب علينا اقصاء " أغلبية الشعب " و قصر الحق الانتخابي على " بعض الثوار و بعض المتحدثين باسمهم " ..

فالقول بإن لو أُقيمت انتخابات جاءت هذه الفئة أو تلك يدُل على شئ من اثنين, إما أن القائل ديكتاتور لا يرى في رأي الآخرين إلا الخطأ و إما أن الشعب جاهل غير مُستعد للحرية فاختار الأُناس الخاطئين




فيما يخص النقطة 2. بغض النظر عن الرأي القائل باستحالة خلق فرعون جديد و ذلك للأسباب التالية كما يقولها د/ معتز بالله عبد الفتاح
كي يكون الرئيس الجديد فرعون جديدا سيحتاج لبنية تساعده من خمسة مكونات
1- انتخابات مزورة (هذا لن يحدث في ظل إشراف قضائي ودولي)
2- وقت زمني طويل (4 سنوات لن تسمح بفرعون جديد حتى لو أراد)

3- مجلس تشريعي... يؤيد بلا معارضة (ما أخشاه ليس غياب المعارضة ولكن غياب ما يكفي من أغلبية لاستقرار الحكومة)

4- رأي عام خائف وخامل (مستحيل بعد 25 يناير)

5- معارضة مدجنة (المشكلة الآن أن المعارضة ستكون شرسة)

بغض النظر عن هذا و مع تخيل المشهد الأكثر سوءا لا قدر الله بوجود ديكتاتور جديد بالفعل فى السلطة مدني ..

في هذه الحالة يستوجب علينا المقارنة بين وجود هذا الديكتاتور المدني و المشهد المقابل له في حال رفض التعديلات الدستورية و بقاء الجيش في سده الحكم .. مع طول فترة البقاء و عدم وجود ضامن لامكانية حدوث انقلاب عسكري ناتج عن الانقسام الموجود في صفوف الجيش حاليا .. مما يعنى احتمالية قائمة بوجود حاكم ديكتاتور عسكري .

المقارنة تكون فى هذه الحالة بين ديكتاتورين : رئيس مدني ديكتاتور لا يمتلك أى مقومات لدعم استبداده سوى مواد مهلهلة مكتوبة على الورق .. أم مؤسسة عسكرية تمتلك قوة حقيقية للقمع اذا ما أرادت استخدامها " و ما حدث بميدان التحرير و اجلاء المتظاهرين منه ليس ببعيد "



قدرة الحشد : القدرة على حشد الشعب ضد رئيس مدنى ديكتاتور لخلعه .. أكبر بكثير من القدرة على حشد الشعب لمواجهة الآلة الحربية العسكرية .

هناك رأي قائل بما يلي :

" أثق تمامًا في قدرة الثوار على حشد الشعب ثانية ضد أي محاولة تلاعب "محتملة" من "رئيس مدني وبرلمان منتخب" بعد 6 أشهر فقط من الانتخابات، لكني لا أثق مطلقًا في القدرة على حشد الشعب ضد "الجيش" بعد عام من الأن!!! ـ الخلاص من الجيش مقدم على صناعة دستور جديد الأن. " .




نقطة جوهرية :

جميعنا الآن منشغل تماما بمدى صلاحية النصوص الدستورية للتعديل من عدمه .. و هي فى الحقيقة نقطة فرعية للغاية اذا ما تم النظر اليها وفق موازين القوة الحالية .. الأهم و الأوقع و الأخطر ليس الدستور " الذي نتفق جميعا على عدم صلاحيته للاستهلاك الآدمي من الأساس " .. و انما وجود المؤسسة العسكرية فى الحكم مع وجود علامات استفهام محيطة كثيرة .




ومضات خاطفة :

هناك الكثير من الأمور المُعلقة نتيجة لعدم وجود آليات لتنفيذها أو مُمثلين للشعب لطرحها...فلو أُقيمت دولة القانون العدل المُتمثلة في نتيجة الانتخابات الحُرة التي ستأتي بمُمثلين الشعب, سنتمكن من تنفيذ و إنفاذ بعض الأمور العالقة...فوجود مجلس للشعب يُنقِّح كافة القوانين و يُنقح الدستور سيمنحنا ما يلي :

1.فُرصة لمُحاسبة المُقصرين و الفاسدين في النظام السابق بشكل أفضل.

2. سيمنحنا فُرصة للمُطالبة بمُحاكمة مُبارك مُحاكمة عادلة .

3. سيُعطينا هيئة رسمية مُتمثلة في البرلمان المصري تُطالب بأموال مصر المُهربة بشكل رسمي و تسائل الحكومة على هذه المطالب.
4. سيمنحنا رقابة على الأمن الوطني " وريث أمن الدولة " مُتمثلة في الرقابة البرلمانية على وزير الداخلية مع إمكانية مُحاسبة كُل من تلوثت يداه بتعذيب المصريين و قتلهُم قبل الثورة و بعدها



ملاحظة عابرة :

حتى الآن يظل " الفعل " في نتائج الثورة معلقا مرهونا بارادة المجلس العسكري و خطواته الفعليه .



اعتقاد شخصي :


الفترة هى الفيصل فى القرار :


6 أشهر لاختبار صدق المجلس العسكري فى التخلى عن السلطة مع عدم وجود دستور " الدستور المعدل المهلهل " .. أفضل بمراحل من 12 شهر على الأقل بلا دستور بلا رئيس مدني بلا استقرار داخلى و خارجي بلا أمل .. فكلما تم تقليص الفترة المتاحة أمام المؤسسة العسكرية الحاكمة كان ذلك ضامن أفضل لتحريك البلاد ولو نصف خطوة فعليه على طريق الحرية و الديمقراطية .. بدلا من الانتظار الى ما شاء الله على أمل تحريك البلاد في يوم ما من الأيام ألف ميل نحو الديمقراطية

بناء الدولة يجب أن يمر بمراحل .. ترتب فيها الأولويات وفقا لمقتضيات الواقع و بؤر القوة الفعلية الموجوده فيه .



ختاما :

و نظرا لكل ما سبق و مع احترامي للجميع و لما سيسفر عنه أول استفتاء مصري غير معلوم النتائج مسبقا ، فانني سأتوجه الى أقرب لجنة من مقر سكنى صباح يوم السبت القادم ان شاء الله للادلاء بـ " نعم " للتعديلات الدستورية .. فما يعنيني ليس النصوص الحبرية الواهية .. و انما المؤسسة العسكرية الباقية في سدة الحكم ، سأدلي بنعم و ذلك فقط .. حتى لا يظل " الفعل " مرفوع مؤقتا من الخدمة .


كتبت بواسطة : أحمد و هبة الله " دهاء سياسي و زوجها =) "