
ملحوظة قبلية هامة : لو لم يتسن لك مشاهدة فيلم " أفاتار " من قبل رجاء لا تبدأ بقراءة المقال ، حيث أن المقال يعتمد على مشاهدتك للفيلم و تكوين رؤية حوله . :)
منذ عدة أشهر سمعت عن فيلم جديد يدعى " أفاتار " يعرض بدرو العرض الأجنبية و العربية ، و يحوذ شعبية كبيرة للغاية أثارت اندهاشي الشديد هي و الضجة الاعلامية التى صاحبت الفيلم ، و حينما شاهدت فى ذات مرة االاعلان الخاص بالفيلم على شاشة التلفاز زاد اندهاشي حيث أن الرسوم الخاصة بالشخصيات في الفيلم وجدتها مقززة للغاية فهي رسوما جمعت بين الملامح الانسانية و الحيوانية فى مسخ أزرق اللون أصفر العينين .. مما أثار تقززي من مشاهد الاعلان و أثار داخلى سؤال محورى جدا .. كيف جذب الفيلم كل هذا الاهتمام و هو به هذا القدر المقزز من الرسوم ؟؟ فأفلام الكارتون أو " الانيميشن " مصدر روعتها و جاذبيتها تكمن في الرسوم المقدمة و جمالها ، فكيف يستحوذ فيلم بهذه المناظر القميئة على كل هذا القدر من الاعجاب و الاشادة !!
مرت الأيام و قد عزمت عزما لا رجعة فيه بأنه من عاشر المستحيلات وفقا لقائمة المستحيلات التسع الخاصة بي ان أشاهد هذا الفيلم المقزز تحت اى ظرف من الظروف .. و هو العزم الذى ذهب سدى منذ عدة أسابيع :S :S :S .
جاءتنى دعوة الى مشاهدة الفيلم من شخصين ممن أثق برأيهم الفكري و الفنى على حد سواء ثقة عظيمة ، جاءت الدعوة الأولى من الباشموهندس محمود عاطف حينما نصحنى بمشاهدة الفيلم نظرا لشدة اعجابه به و حينما أبديت عدم رغبتي فى ذلك نظرا للرسوم المقززة للغاية ذكر لي جملة بسيطة مفادها أن الرسوم " موظفة دراميا " في الفيلم و ان هذه الشخصيات التى أتقزز من مشاهدتها الآن هي ذاتها الشخصيات التى سينتهى الفيلم و انا أحبها حبا جما !! حقا شكرته على تحفيزه لى لمشاهده الفيلم و أجلت مشاهده الفيلم الى حين ميسرة .. فجاءت الدعوة الثانية التى أنهت هذا التأجيل و كانت من " المش مهندس " محمد ابن خالتى ( هو مش مهندس نظرا لكونه مايزال طالبا بكلية الهندسة :) ) و الذى حفزنى هو الآخر لمشاهدة الفيلم بشكل كبير .. مما جعلنى اعقد العزم على تحميل الفيلم بالفعل و مشاهده ذلك " الأسطورة " الذى يتحدث عنه الجميع !! ..
بعد انقضاء ما يقرب من الساعتين و النصف أمام جهاز الكمبيوتر الخاص بي فى تفاعل تام مع احداث الفيلم و ما يقرب من يومين من البحث عن كل التفاصيل الخاصة باعداد الفيلم و القائمين عليه .. أدركت حقا أنني أمام فيلما عميقا للغاية يستحق الوقوف عنده بكثير من التأمل و التفكير لما يحمله من دلالات غاية فى الأهمية على مستويات عدة .
الفيلم يمثل حالة من حالات التمسك الشديد بمنظومة قيم الحداثة الخاصة بالنسق الليبرالي الغربي ، حيث يدور الفيلم منذ البداية حول تعظيم و تضخيم بعض الصور الذهنية حول الفرد الأميركي و ذلك يلاحظ في عدة مؤشرات منها :
أولا : تعظيم الذات :
- ان المجموعة الأمريكية هي التى ذهبت الى الفضاء الخارجي لاكتشاف الطاقة
- اعلاء من شأن العسكرية الأمريكية المتمثلة فى قوات المارينز المصاحبة للرحلة .
- فكرة أن أمريكا هي بلد التنوير و التحضر و ذلك جاء فى نص حديث شخصية " باركر سيلف ريدج " حينما قال و هو فى غاية الضيق يصف حال أهل " باندورا " بأن " الأمريكيين " أتو ليعطوهم العلم و الحضارة و الثقافة و هو ما يرفضه شعب " الأوماتاكايا " .
- فكرة الارهاب الأمريكي حيث أن الطرف الأميركي هو دائما الطرف الأقوى الذى لا يقهر حينما يواجه بامكانات " بشرية " مثله .
- ثانيا : الفردية " تعظيم قيمة الفرد " :
أيضا نجد أن الفيلم يتمحور حول الفرد و قدراته المختلفة ، سواء الفرد من الناحية المالية المتمثلة فى شخصية " باركر سيلف ريدج " .. أو من الناحية العقلية العلمية و التى كانت متمثلة فى شخصية د/ جرايس .. أو من الناحية العضلية المتمثلة فى شخصية الكولونيل ميلز ، بل ذهب الفيلم لما هو أكثر من ذلك حيث تعظيم شأن الفرد الى كونه قادرا على الاتيان " بخلق " جديد و هو ما فعلته المجموعة البحثية بقيادة د/ جرايس فى " خلق " كائنات تحمل خليط بين صفات البشر و العرق " النافي " و يحدث بينهما اتصال من خلال الاشارات العصبية الذهنية عن طريق " آلة الانتقال " الخاصة " بالأفاتار " .
ثالثا : المصلحة :
ظهر الجانب المادى المصلحى " جوهر فلسفة النسق الليبرالي " محركا للفيلم كاملا منذ البداية فى عدة أركان :
1. المصلحة المادية " الكسب " هي التى دفعت الرحلة الى الخروج من كوكب الأرض و الذهاب الى " باندورا " .
2. المصلحة هي التى أجبرت " جايك سولي " الى الامتثال لأوامر " كولونيل ميلز " و خداع شعب " الأوماتاكايا " و تجلى ذلك فى الصفقه التى عقدها الاثنان مع بعضهما في المعسكر .
3. المصلحة هي التى قادت الى الصراع المسلح الداخلى بين مجموعة " جايك سولي " و بين مجموعة " كولونيل ميلز " .
4. المصلحة كذلك هي التى أدت الى تدمير شعب كامل للحصول على " المعدن " الكامن تحت الشجرة الأم في باندورا .
رابعا : رؤية الآخر :
من أهم الأشياء كذلك شكل و حالة شعب " الأوماتاكايا " و عرق " النافي " القاطنين " ببندورا " حيث ان هذا الشكل هو أقرب ما يكون الى ثقافة بعض القبائل البدائية للغاية الموجودة فى المجاهل الأفريقية الجنوبية و هو دليل على التخلف و الجهل و التأخر و الضعف و العجز و الوهن و كل ما يحمل قيم سلبية للغاية .. و لعل هذا ما يثير تساؤلا هاما .. لماذا افترض كاتبو قصة " أفاتار " بأن المحيطين بأفراد الرحلة الأمريكية على ذلك الكوكب في شكل شعب " الأوماتاكايا " .. لماذا لم يفترضوا مثلا هبوطهم على الكوكب ليجدو شعبا من المتحضرين ممن يسبقون أهل الأرض بعلمهم و معرفتهم التى عجزت عقولنا عن الاتيان بمثلها مثلا ؟؟
هناك العديد من الصور الأكثر تشابها مع الفيلم و لكن تعذر نشرها على المدونة نظرا لفداحة الصور " خلقيا "
لعل الشكل الذي ظهر عليه شعب " الأوماتاكايا " يعكس رؤية الفرد الأمريكي لمن حوله على كوكب الأرض كما لفتت انتباهي صديقتى يمنى الى هذه النقطة ، حيث ان " الاوماتاكايا " مثلوا " الآخر " للأمريكي .. حيث نظرة الأمريكي لمن حوله و خاصة " أهل النصف الجنوبي من القارة " على أنهم مجرد طفيليات لا تعى ولا تفهم و غير قابلة للتمدين أو التحضر .
خامسا : الصراع :
وهو الذى كان العنصر الحاكم في العلاقه بين الأمريكيين و " الآخر " فان الأمريكي لم يقم بمحاولة فهم و استيعاب و التعامل مع ذلك الآخر باعتباره كائنا حيا مثله ، و لكن تم التعامل معه وفقا لتوظيفه ضمن الأجندة الخاصة بالمصلحة الأمريكية و الا فلن تكون هناك لغة سوى " الدمار الشامل " لأى آخر يحاول أن يحتفظ و يدافع عن حقه فى أن يكون و ان يحي حياة طبيعية مختلفة عن النمط الأمريكي .
من أهم الأشياء كذلك في الفيلم التى استوقفتنى للغاية هي فكرة المآلات .. بمعنى ان بداية الفيلم هي عبارة عن رحلة تحركها المصلحة و يحركها " الطمع " في ثروات أرض " باندورا " .. و نهاية الفيلم هي حرب مروعة ضد شعب مسالم نظرا لتمسكه بحقه فى الدفاع الشرعي عن أرضه و عدم التفريط في ثرواته و تركها " للاعداء " لينهبوها .
ان أول 20 دقيقة في الفيلم كانت في منتهى الرتابة بالنسبة لي و ظلت هذه الرتابة تعتري الفيلم حتى منتصفه تقريبا فمنذ النصف الثاني من الفيلم و تحديدا مع بداية تجلى شكل العلاقة الصراعية الحاكمة لتعامل " طاقم الرحلة " مع أهل باندورا طمعا فى ثروات أرضهم بدأ الفيلم يجذب انتباهي و يستحوذ على كامل تركيزي و مشاعري .. خاصة مع بداية الحرب على باندورا .. فكل مشاهد الجزء الثاني من الفيلم لم أر فيها أفاتار و لكني رأيت فيها أهلنا فى فلسطين و تحديدا أهل غزة و ما حدث بها مؤخرا على يد الصهاينة .
كل المشاهد كانت فى غاية التشابه مع ما يحدث فى غزة ، بداية من مشهد التجريف الذى قام به البلدوزر الأميركي و انتهاء بمشهد القصف و القتلي و الجرحى و الدمار الذى عم المدينة ، مرورا بفلسفة الفيلم حيث الموت للشعب المسالم حينما يتمسك بحقه فى أرضه و ثرواتها و حقه فى الحياة المسالمة مثل أقرانه .
حقا لم أشاهد سوى غزة و قتلاها و جرحاها و أهلها و لم أسمع من المؤثرات الصوتية الخاصة بالفيلم سوى عويل النساء و بكاء الأطفال و صراخ المشوهين من الحرب .. على أن غزة ترجح كفتها من الألم سواء كان ظاهرا امام العيان أو كامنا بين الضلوع .
هكذا رأيت أفاتار كما يجسده هذا الفيديو
*عند مشاهدة الفيديو رجاء أوقف المقاطع التى تحتوى على كتابة باللغة العربية لقرائتها حيث ان تتابعها سريع للغاية نظرا لضيق وقت الفيلم
* اذا لم يعمل الفيديو رجاء قم بتحريك المؤشر الخاص بالفيديو قليلا للأمام ثم أعد تشغيل الفيديو منذ البداية مرة أخرى .
* اسم غزة الوارد فى نهاية الفيلم هو مجرد كناية عن فلسطين بأكملها فليس ضروريا أن المشاهد تم التقاطها بغزة و لكنها من أنحاء مختلفة من فلسطين .